خلق الوفاء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
مما تحلى به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، من الأخلاق الفاضلة ، والشمائل الطيبة ، الوفاء بالعهد، وأداء الحقوق لأصحابها ، وعدم الغدر ، امتثالاً لأمر الله في كتابه العزيز حيث قال: { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} (الأنعام 152) .
وتخلق الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الكريم ظاهر بيّن ، سواء في تعامله مع ربه جل وعلا ، أو في تعامله مع أزواجه ، أو أصحابه ، أو حتى مع أعدائه .
ففي تعامله مع ربه كان صلى الله عليه وسلم وفياً أميناً ، فقام بالطاعة والعبادة خير قيام ، وقام بتبليغ رسالة ربه بكل أمانة ووفاء ، فبيّن للناس دين الله القويم ، وهداهم إلى صراطه المستقيم ، وفق ما جاءه من الله ، وأمره به ، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (سورة النحل 44) .
وكان وفياً مع زوجاته ، فحفظ لخديجة رضي الله عنها مواقفها العظيمة ، وبذلها السخي ، وعقلها الراجح ، وتضحياتها المتعددة ، حتى إنه لم يتزوج عليها في حياتها ، وكان يذكرها بالخير بعد وفاتها ، ويصل أقرباءها ، ويحسن إلى صديقاتها ، وهذا كله وفاءاً لها رضي الله عنها .
وكان وفياً لأقاربه ، فلم ينس مواقف عمه أبي طالب من تربيته وهو في الثامنة من عمره ، ورعايته له ، فكان حريصاً على هدايته قبل موته ، ويستغفر له بعد موته حتى نهي عن ذلك .
وكان من وفائه لأصحابه موقفه مع حاطب بن أبي بلتعة مع ما بدر منه حين أفشى سر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في أشد المواقف خطورة ، حيث كتب إلى قريش يخبرها بمقدم رسول الله وجيشه، فعفى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفاءاً لأهل بدر ، وقال : ( إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) رواه البخاري و مسلم.
أما وفاؤه لأعدائه فظاهر كما في صلح الحديبة ، حيث كان ملتزماً بالشروط وفياً مع قريش ، فعن أنس رضي الله عنه أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : ( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، قال سهيل : أما باسم الله فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ، ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم ، فقال : اكتب من محمد رسول الله ، قالوا : لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك ، ولكن اكتب اسمك ، واسم أبيك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب من محمد بن عبد الله ، فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، أن من جاء منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ، فقالوا : يا رسول الله أنكتب هذا ، قال نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا) رواه مسلم . وتم إرجاع أبي بصير مع مجيئه مسلماً وفاءاً بالعهد .
وعن حذيفة بن اليمان قال : ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل ، فأخذنا كفار قريش ، قالوا : إنكم تريدون محمدا ، فقلنا : ما نريده ، ما نريد إلا المدينة ، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ، ولا نقاتل معه ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر ، فقال : ( انصرفا ، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم) رواه مسلم.
وعدّ صلى الله عليه وسلم نقض العهد ، وإخلاف الوعد من علامات المنافقين ، فقال : (آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم.
هذا هو وفاء النبي العظيم ، أَنْعِم به من خلق كريم ، تعددت مجالاته ، وتنوعت مظاهره ، فكان لكل صنف من الناس نصيب من وفاءه صلى الله عليه وسلم ، فهل أنت أخي المسلم لك نصيب من خلق نبيك ورسولك؟