القسم الثاني| التجسس المشروع والجائز في الاسلام
التجسس والجاسوسية وعلم التخابرمن وجهة نظر الاسلام 2 .
القسم الثاني| التجسس المشروع والجائز في الاسلام
بقلم ; مجاهد منعثر منشد
فال تعالى :ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ }1.
وقال عزوجل :ـ {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ }2 .
مختصر الاية الاولى معناه الحذروالتهيؤ والاعداد للعدو . من حيث العدة و القوة والاسلوب .
ومختصر الاية الثانية إعداد القوة إنما هو لغرض الدفاع عن حقوق المجتمع الإسلامي و منافعه الحيوية.
يقول السيد محمد حسين الطبطبائي (رض) أمر عام بتهيئة المؤمنين مبلغ استطاعتهم من القوى الحربية ما يحتاجون إليه قبال ما لهم من الأعداء في الوجود أو في الفرض و الاعتبار فإن المجتمع الإنساني لا يخلو من التآلف من أفراد أو أقوام مختلفي الطباع و متضادي الأفكار لا ينعقد بينهم مجتمع على سنة قيمة ينافعهم إلا و هناك مجتمع آخر يضاده في منافعه، و يخالفه في سنته، و لا يعيشان معا برهة من الدهر إلا و ينشب بينهما الخلاف و يؤدي ذلك إلى التغلب و القهر3.
ومن هنا ننظلق حيث منشأ الحروب بين المجتمع مرة بين المؤمنين وبعض الفئات المسلمة الضالة .وتارة بين المؤمنين والكفار من غير المسلمين .واخرى بين الكفار المتحالف معهم مسلمين منافقين ضد المؤمنين ..ا .
وكل هؤلاء هم يحكمون دول وفيها دول تحكم دول اخرى بدوافع استراتيجية للحفاظ على المصالح والهيمنة والسيطرة على ارض المعمورة .
وفي هذه الحروب ينشط عمل التجسس ,فيكون اقوى سلاح معتمد كوسيلة للسيطرة على الهدف .
و قيل قديما : اذكاء العيون انفى للظنون 4 .
فالجاسوسية اي (مهنة الجاسوس) منظمة تؤلفها الدول في بلادها لتتجسس لها الاخبار ونسنطلع الاسرار .وتاتيها بها والجاسوسية : منظمة تجعل لمحاربة اعمال الجاسوسية .5 .
ومقابل الجاسوسية عقلا ومنطقا توجد مكافحة لهذا التجسس ويعبر عنها بمقاومة التجسس .
وفي العصر الحديث يعد التجسس امرا واقعا في حياة البشرية وهو احد الضمانات الاساسية لبقاء الدولة واستقلالها .ونتيجة لتضارب المصالح وتعدد الافكار واختلاف الاغراض ,فأن الدولة كون متأهبة في كل لحظة لمواجهة احتمال اي عدوان قد يشن عليها ..ولذلك فأن مسنقبل الدولة في هذا العصر بشكل خاص يتوقف على دقة المعلومات التي تحصل عليها ,وشمولها وسرعة وصولها ليتسنى وضع الخطة المناسبة بعد معرفة خطر العدو وحالته حيث ان مصيرها اما مغلوبة او منتصرة 6.
وفي المجتمع الاسلامي يبث الاعداء اشاعات ودعايات بين المسلمين تقول ان التجسس في الاسلام محرم .واغلب الاحيان هذه التقولات ترد على لسان العملاء(الخونة) واحد اهداف تلك الاشاعات ضرب توعية المجتمع وتماسكة الذي هو احد العوامل الرئيسية لمقاومة او مكافحة التجسس وتفاعل المجتتمع مع حكوماته ,فيصدق السذج من الناس هذه الاشاعات والدعايات ويكونوا احد اسباب انتشارها ومثال على ذلك يقولون ان التجسس نميمة وغيبة في الاسلام لكن لايفهون كيف ومن هم الغير مشمولين بالنميمة والغيبة .
وطبعا يكون تستر على موارد الاستثاء .وبما ان الغيبة والنميمة رذائل اخلاقية فان بعض الناس تتفاعل مع قبول تصديق الاشاعة والدعاية .
وفي الاحكام الشرعية الاسلامية نجوز النميمة والغيبة في بعض حالات الاستثناء مثل حالات قتل النفس البريئة حيث يكون نقل الكلام من هذا إلى ذاك ليس جائزاً فحسب، بل يكون واجباً، ومن تلك الموارد ما إذا شعر الإنسان أنّ الشخص الفلاني أو الفئة الفلانية تريد قتل زيد من الناس وكانت المسألة جدّية، فهنا يكون نقل كلامهم إلى زيد ليتّخذ جانب الحذر والاحتياط ويبتعد عن الخطر من الواجبات لإنقاذ نفس بريئة، كما حدث ذلك لنبي الله موسى(عليه السلام) بعدما قتل القبطي المعتدي فجاء أحد الأشخاص وقال له: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ)7 .
ومن موارد الجواز اوالوجوب عندما تؤدّي النميمة نتائج إيجابية للمؤمنين تعمل على إيجاد الفرقة والاختلاف في صفوف الأعداء، وعلى سبيل المثال ما ورد في قصّة (نعيم بن مسعود) في حرب الأحزاب حيث أوقع الفرقة والاختلاف بين طائفتين من أعداء المسلمين وهم المشركون واليهود بما نقل من كلمات هؤلاء لهؤلاء وبالعكس فكانت النتيجة إساءة الظنّ بينهم وتخاذلهم عن قتال المسلمين.
وبشكل عام الاسلام يجيز التجسس ويعتبره واجب ومشروع في حالة وجوب الدفاع عن بيضة المسلمين ,ففدقال رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) «من اصبح لا يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم». و ورد عن مولانا الامام الرضا(علية السلام) «اسمعوا واطيعوا لمن ولاه الله الامر فانه نظام الاسلام».
وفي حفظ النظام الاسلامي يجيز الاسلام التجسس .وفي البحث عن (الخونة)العملاء والمنافقين العاملين مع الاعداء بين صفوف المؤمنين يجيز الاسلام التجسس ويامر مع ايجاب الحذر والاحتياط والمراقبة بالنسبة لهذا النظام .
فقد قال تعالى :ـ ({وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }8 وكقوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ 9.
كتب حاطب بن ابي بلتعة الى اهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله(ص) على فتحها، واعطى الكتاب امراة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم، وجعل لها جعلا على ان توصله الى قوم سماهم لها من اهل مكة وامرها ان تاخذ على غير الطريق.
فنزل الوحي على رسول الله(ص) بذلك فاستدعى امير المؤمنين(ع) وقال له: «ان بعض اصحابي قد كتب الى اهل مكة يخبرهم بخبرنا، وقد كنتسالت الله ان يعمي اخبارنا عليهم، والكتاب مع امراة سوداء قد اخذت على غير الطريق فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها وخلها، وصر به الي»، ثم استدعى الزبير بن العوام فقال له: «امض مع علي بن ابي طالب في هذه الوجه»، فمضيا واخذا على غير الطريق، فادركا المراة، فسبق اليها الزبير فسالها عن الكتاب الذي معها، فانكرته وحلفت انه لا شيء معها وبكت، فقال الزبير: ما ارى يا ابا الحسن معها كتابا فارجع بنا الى رسول الله(ص) لنخبره ببراءة ساحتها، فقال امير المؤمنين(ع): «يخبرني رسول الله(ص) ان معها كتابا ويامرني باخذه منها، وتقول انت انه لا كتاب معها»، ثم اخترط السيف وتقدم اليها فقال: «اما والله لئن لم تخرجي الكتاب لاكشفنك، ثم لاضربن عنقك»، فقالت له: اذا كان لا بد من ذلك فاعرض يابن ابي طالب بوجهك عني، فاعرض(ع) بوجهه عنها فكشفت قناعها واخرجت الكتاب من عقيصتها. فاخذه امير المؤمنين(ع) وصار به الى رسول الله(ص). وهذا العرض للخبر دليل على مشروعية التجسس للحغاظ على النظام ومكافحة الجاسوسية .
وكذلك يكون التجسس جائز ومشروع في متابعة الاقتصاد من قبل الحكومة الاسلامية كون هذا الامر يتعلق باحتياجات المؤمنين كتاحفاظ على حالتهم الصحية وقوتهم .
ومثال على ذلك :ـ مر النبي(ص) في سوق المدينة بطعام فقال لصاحبه: «ما ارى طعامك الا طيبا»، وساله عن سعره، فاوحى الله عز وجل اليه ان يدس جيديرج يده في الطعام، ففعل فاخرج طعاما رديا، فقال لصاحبه: «ما اراكالا وقد جمعتخيانة وغشا للمسلمين».
ان ذلك من النبي(ص) تجسس عن وضع النشاط الاقتصادي في النظام الاسلامي.
و في غزوة بدر الكبرى روى الواقدي ماملخصة :ـ
لما تحين رسول الله(ص) انصراف العير من الشام ندب اصحابه للعير وبعث -رسول الله(ص)- طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتحسسان خبر العير حتى نزلا على كشد الجهني بالنخبار ، فاجارهما وانزلهما، ولم يزالا مقيمين عنده في خباء حتى مرت العير، ... فنظرا الى القوم والى ما تحمل العير، وجعل اهل العير يقولون: يا كشد هل رايت احدا من عيون محمد؟ فيقول: اعوذ بالله، وانى عيون محمد بالنخبار؟ فلما راحت العير باتا حتى اصبحا، ثم خرجا وخرج معهما كشد خفيرا ... فخرجا يعترضان النبي(ص) فلقياه بتربان ... وقدم كشد بعد ذلك فاخبر النبي(ص) اجارته اياهما، فحياه رسول الله(ص).
يدل الخبر على العامل النفوذي بين الاعداء، وعلى اتخاذ العيون بالنسبة الى تحركات الاعداء ولو في امورهم الاقتصادية.
ولايضاح اكثر عن وجوب وجواز التجسس في الاسلام على الاعدء ماحصل في غزوة الخندق حيث يروي ابن هشام فلما انتهى الى رسول الله(ص) ما اختلف من امرهم، وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه اليهم لينظر ما فعل القوم ليلا، ... قال حذيفة: ثم التفت الينا -رسول الله(ص)- فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟ فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم احد دعاني رسول الله(ص)، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثن شيئا حتى تاتينا . وحاصله انه ذهب حذيفة واطلع على ما اطلع واخبر به النبي(ص).
وفي غزوة احد يروي الواقدي , وبعث النبي(ص) عينين له انسا ومؤنسا ابني فضالة ليلة الخميس، فاعترضا لقريش بالعقيق، فسارا معهم حتى نزلوا بالوطاء فاتيا رسول الله(ص) فاخبراه.
وفي المغازي في التراتيب الادارية عن الاستيعاب في اخبار العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) : قال: اسلم العباس قبل فتح خيبر وكان يكتم اسلامه، وكان يكتب باخبار المشركين الى رسول الله(ص) فكتب اليه: ان مقامك بمكة خير.
وعن الواقدي في المغازي، عن النبي(ص) انه اوصى اسامة بن زيد حين بعثه على راس الجيش لغزو الروم: «وخذ معك الادلاء، وقدم العيون امامك والطلائع».
وكل هذا للحفاظ على نظام الاسلام ,وتقول السيدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها التي اوردتها في مسجد النبي(صلى الله عليه واله وسلم): فجعل الله الايمان تطهيرا لكم من الشرك... والعدل تنسيقا للقلوب وطاعتنا نظاما للملة وامامتنا امانا للفرقة .
فالتجسس مشروع وجائز في موارد الاستثناء ليس في الاسلام فحسب بل حتى في القانون الدولي و القانون الحديث تنص فيه المادة الثالثة والعشرون من لائحة الحرب البرية على جواز استعمال الوسائل اللازمة للحصول على معلومات عن العدو وميدان القتال ,فالتجسس بمقتضى هذه المادة يعنبر عملا مشروعا في القانون الدولي الحديث .10.
وكذلك تؤكد بعض الكتب العسكرية على ضرورة جمع المعلومات عن العدو وانها من شروط النصر . 11.
وطبعا هذه المعلومات تحتاج الى عيون بتجنيد عملاء من نفس العدو ..وهذا ايضا من موارد الاستثناء حيث يجيز الاسلام هذا العمل روى الواقدي عن رسول الله(ص) انه قال لليهودي: ما وراءك؟ ومن انت؟ فقال اليهودي: تؤمني يا ابا القاسم واصدقك؟ فقال رسول الله(ص): نعم، قال اليهودي: خرجت من حصن النطاة من عند قوم ليس لهم نظام-الى ان قال اليهودي:- يا ابا القاسم، احقن دمي، قال: انت آمن، قال ولي زوجة في حصن النزار فهبها لي، قال: هي لك.
ان جمع الاخبار عن العدو بواسطة الجواسيس ستكون انتاج معلومات من قبل الاجهزة المخصة تفيد في معرفة العدو على حقيقته .وتفيد في تقوية الروح المعنوية لافراد المجتمع .ودائما نتائج الاستهانة بالعدو هي القصور عن المجابهة اضف الى ذلك انها تؤدي الى كوارث . ويجب ان يعرف اخبار مجاورية ..وان يشحن الثغور بالرجال ..ينبغي ان يعلم حال العدو في كل ساعة بالجواسيس ولايغفل امره. 12.
فاذا نشبت الحرب اديرت العمليات الحربية .وفق المعلومات التي وصلت الى الدول من عيونها وعمالها السريين الذين تطلق عليهم اسم مخبرين اذا كانوا لها ,وتدغوهم جواسيس اذا كانواعليها .وليس مغاليا من يقول ان تاريخ الحروب ليس الا تاريخ الجاسوسية 13.
ويمكن كسب الجواسيس من العدو عن طريق الاحتكاك بالاشخاص الذين تتوفر لديهم المعلومات المطلوب الحصول عليها,باستخدام اساليب معينة وبناء علاقات اجتماعية معهم خاصة الذين يوجدون في المكان المطلوب الحصول على المعلومات منه ثم يتم تجنيدهم وتوجيههم للحصول على المعلومات وتسليمها للجاسوس الذي اثر عليهم .ويسمى من يتعاون من المواطنين مع جواسيس العدو بالعميل وهو اشد خطورة على وطنه ممن استماله حيث انه في وضع يسهل فيه الحصول على المعلومات من مصادرها الاولية 14.
وفي الاسلام هناك الكثير من الاخبار تدل على كسب واتخاذ العيون .وقد ورد في بعث النبي(ص) افرادا لاستخبار حال الاعداء في خارج البلاد الاسلامية ورصد تحركاتهم العسكرية واسرارهم،
ففي سرية عبدالله بن جحش يروي ابن هشام :ـ ان رسول الله(ص) بعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الانصار احد، وكتب له كتابا وامره ان لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما امره به ولا يستكره من اصحابه احدا ... فلما سار عبدالله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فاذا فيه:
«اذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم الناس اخبارهم»، فلما نظر عبدالله بن جحش في الكتاب قال: سمعا وطاعة، ثم قال لاصحابه: قد امرني رسول الله(ص) ان امضي الى نخلة ارصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر....
ويستنتج من ماورداعلاه ان الاسلام يجيز التجسس للحالات المذكورة ويعتبره امر وجوبي ,فكيف الان في عصر يتطور فيه علم التخابر والجاسوسية وحقوق المؤمنين مضيعة ويعتدى على مقدسات المسلمين ويقتلون ووو.
وفي العصر الحالي رغم وجود انواع كثيرة من التجسس كالتجسس الالكتروني الا ان الجاسوسية عن طريق العيون اكثر قبول للواقع وخير مثال الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة أخيرا وبخاصة حربها الأخيرة على العراق حيث يروي رجل المهمات الروسي (بوريس سنوفسكي) في مقابلة له 15, انه اطلع على تقارير تقول إن ستة أقمار صناعية تقوم بالتجسس على العراق من أهمها قمر يدعي (ميستي) المتنوع المهمات ويحمل معدات زنتها 15 طناً وكلفته وصلت إلى مليار و 400 مليون دولار وهو يقوم بمسح أجواء العراق من الجنوب وحتى الحدود مع تركيا في أقل من ساعة، يتنصت خلالها ويلتقط الصور ضمن مساحة قطرها 240 كيلومتراً ويبثها مباشرة إلى مراكز مراقبة منتشرة في خمس محطات أرضية تابعة لشبكة (إيشلون) الشهيرة بالتنصت حيث بالإمكان التعرف من محطاتها الأرضية ساعة بساعة على أي تحرك يشتبه به على الأرض. إلا أنه مع هذا التطور لم تغفل وتتجاهل هذه الدول دور رجال المخابرات والجواسيس الذين تعتمد عليها بدرجة كبيرة من أجل المحافظة على أمنها القومي.
وفي الدول الاسلامية حفظا النظام الاسلامي الداخلي والخارجي يكلف به رئيس الحكومة وهو من اوجب الواجبات، واهم الامور فيتوجب على رئيس الحكومة ان يراقب مراقبة تامة بالنسبة الى جميع الاركان بنفسه للحفاظ على البلد ومواطنين البلد .
فالتجسس لازم بلا كلام في النظام الاسلامي ويكلف رئيس الحكومة اجهزته الامنية للعمل في حفظ النظام .
وهذه الاجهزة العاملين المكلفين فيها ضباط ,فيقوم الضابط على تقديم الاهم عند تزاحم حرمة التجسس مع مصلحة اخرى كدفع الضرر عن النفوس ورغم ان هذا العمل فيه نوع من الغيبة للاخرين لكن هو استثناء في حفظ النظام للحفاظ على ارواح الناس .
و تمارس سلطات اي دولة التجسس على مواطنيها وغيرهم ,في الداخل لاغراض ادارية .وحكومية .وتمارسه في الخارج لاغراض سياسية وحربية .كما تمارسه على مواطنيها في الخارج 16.
فالدولة لاتقوم بالتجسس الابما يحقق صالح المجتمع وذلك كتتبع اهل الريب والضلالة ووضع العيون عليهم حفظا للامن والنظام وتأمين الراحة للمواطنين .
ومن واجب الدولة ان تتعرف على المواطنين وطاقاتهم ,فتحسن استغلالها لتضع الرجل المناسب في المكان المناسب 17.
ويجيز الاسلام التجسس على حكومة النظام الاسلامي من وزراء ومدراء وضباط وجنود ومؤسسات من قبل رئيس الحكومة لمصلحة البلاد والعباد .
جاء في تحف العقول من عهدامير المؤمنين الى الاشتر فيما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من امر جنوده: «ثم لا تدع ان يكون لك عليهم عيون من اهل الامانة والقول بالحق عند الناس فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق اولئك بعلمك ببلائهم».
و ما في نهج البلاغة من عهده للاشتر: وابعث العيون من اهل الصدق والوفاء عليهم، فان تعاهدك في السر لامورهم حدوة لهم على استعمال الامانة، والرفق بالرعية.
فلايقتصر التجسس المشروع على الاعداء فقط بل عندما يقوم رئيس الحكومة بواجباته لخدمة مصالح الناس ,فعليه ان يراقب الوزراء والدوائر واجهزته الامنية لكي يرى ادائهم في الواجب وكيفية تعامله مع الناس في قضاء حوائجهم ..ومثال على ذلك ما روية في الدعائم، حيث قال: وعن علي(ع) انه ذكر عهدا، فقال الذي حدثناه: احسبه كلام علي(ع) الا انا روينا عنه انه رفعه فقال: عهد رسول الله(ص) عهدا كان فيه بعد كلام ذكره، قال(ص): فيما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من امر كتابه، (وكلائه ونوابه ووزرائه): ثم لا تدع مع ذلك ان تتفقد امورهم، وتنظر في اعمالهم، وتتلطف بمسالة ما غاب عنك من حالهم، حتى تعلم كيف حال معاملتهم للناس فيما وليتهم، فان في كثير من الكتاب شعبة من عز ونخوات واعجاب، ويسرع كثير الى التبرم بالناس، والضجر عن المنازعة، والضيق عند المراجعة، ولا بد للناس من طلب حاجاتهم، فمتى جمعوا عليهم الابطاء بها والغلظة الزموك عيب ذلك،
فادخلوا مؤونته عليك، وفي ذلك من صلاح امورك مع مالك فيه عند الله من الجزاء حظ عظيمان شاء الله.
وليس كل الناس امناء ففيهم من يخون الامانة لذلك يجب المراقبة والتجسس على المسؤولين اولا ,فقد قال تعالى :ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }18 .وكذلك في الناس من يعمل جاسوس او عميل للاعداء ,فلابد من كشف هؤلاء ومحاسبتهم ,فقد قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ }19.
و كتب ابوالاسود الدؤلي -وكان خليفة عبدالله بن عباس بالبصرة- الى علي(ع) يعلمه ان عبدالله اخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتب اليه يامره بردها فامتنع، فكتب يقسم له بالله لتردنها، فلما ردها عبدالله بن عباس، او رد اكثرها، كتب اليه علي(ع): اما بعد، فان المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما اتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعا، واجعل همك لما بعد الموت، والسلام.
فكان ابن عباس يقول: ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام امير المؤمنين.
وقد نقل انه(ع) كتب في جواب ابي الاسود الدؤلي: فمثلك نصح الامام والامة، وادى الامانة، ووالى (ودل) على الحق... فلا تدع اعلامي بما يكون بحضرتك مما النظر فيه للامة صلاح فانك بذلك جدير، وهو حق واجب لله عليك.
والحمد لله رب العالمين ونسأل الله العلي القدير ان يقدم مافيه صالح المؤمنين والعباد الصالحين فهو سميعا مجيب.
بفلم | مجاهد منعثر منشد .
المصادر
النساء71.
الأنفال60.
الميزان في تفسير القران للعلامة السيد محمد حسين الطبطبائي.
التمثيل والمحاضرة الثعالبي ص 153.
المنجد ط 19 .
الحرب النفسية صلاح نصر ج1 |ص 191 و الجاسوسية بين الوقاية والعلاج احمد هاني ص 58 .
القصص 20.
المنافقون4.
النساء102.
القانون الدولي العام 846.
العبقرية العسكرية في غزوات الرسول (ص) ص 561ـ 566. و الجاسوسية بين الوقاية والعلاج ص 31.
سلوك المالك في تدبير الممالك |ابن ابي الربيع ص 107.
الملحق العسكري اميرالاي اركان حرب احمد شوقي ص 17ـ18.
الملحق العسكري ص 32و الجاسوسية بين الوقاية والعلاج ص 300.
جريدة الرياض بتاريخ 15-1-1424 .
دائرة المعارف الاسلامية ج10|401..
عبقرية الاسلام في اصول الحكم للدكتور منير العجلاني ص 117.
الأنفال27.
الممتحنة1.